<HR style="COLOR: #fbb4b4" SIZE=1>
سرعان ما تنقلب الأمور رأساً على عقب في حياة البشر إذا ما أقدم الواحد منا على خطوةٍ قد تكلفه غضب من الله وعباده، خاصة إذا ما زاد هذا الإنسان في طغيانه، وبدأ يحسب الأمور بمادية بحتةٍ ليصل به المطاف إلى البعد عن القيم الإسلامية والتقاليد التي تربى عليها منذ نشأته الأولى، ويبدأ هذا الإنسان بنسج حكايات تتكيف مع مصلحته الخاصة، بعيدا عن مشاعر الآخرين وعواطفهم.. حتى ولو كان المقابل هو المسبب في مجيئه لتك الحياة التي يعيشها الإنسان.
فما أصعب أن يشقى رب الأسرة منذ مطلع الشمس حتى مغربها ليوفر قوت أطفاله ويدخر لهم بعضاً من المال ليقيهم غدر المستقبل المجهول، ويكافح هذا الأب على حساب جسده سنين ليراهم يكبرون أمام عينيه وقد رُزق الواحد منهم بوظيفة بعد أن أكمل تعليمه الجامعي، ويعلم الله كيف كان يُدبر هذا الأب مصاريف جامعته في وقت وجب عليه أيضاً سد فاه باقي أطفاله.. فيفاجأ هذا الأب برد الجميل الطبيعي الذي كتبه الله في علاه للوالدين وفضلهما في تربيتنا، وزاد لدرجة وجوب طاعتهما لطالما كانت بعيدةً عن معصية الخالق سبحانه وتعالى.. إلا أن ما أذهلني منتصف رمضان هو ذاك الأحمق الذي بصق في وجه أبيه وسط الشارع...! ليت هذا فحسب بل وطلب من باقي إخوته، كونه أكبر إخوته، إن يقفلوا باب البيت في وجه أبيهم، إلا أنهم رفضوا طلبه ودخل الأب شقته ويكاد قلبه يتفجر بكاءً...
بقي الموضوع طي الكتمان في الحارة، خاصة وأن الناس لم ينتبهو لما حصل من الإبن، إلا القليل، وقلنا يومها عسى الله أن يهديه يوم العيد، فيذهب بعد أن ينهي خطيب المسجد كلمته التي كانت بالطبع حول صلة الأرحام وزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء وأسر الشهداء والثكلى والجرحى واليتامى، إلى والده ليقبل رأسه ويطلب منه السماحة والمغفرة، كما عادة المسلمين إذا أخطأ أحدهم في حق آخر، فما بالنا عندما نغضب الوالدين..!
ما دعاني لكتابة تلك القصة، هو أنني بكيت حينما إنفجر الأب باكياً في حيرة من أمره ليشكو لأبن أخيه ما حصل من هذا العاصي. فقد كان ينتظر منه أن يدق إبنه 'البكر' باب المنزل لقبله، إلا أن هذا الولد لم يفعلها، رغم أننا دخلنا في اليوم الثالث من أيام العيد الذي تلا شهر من أكثر الشهور للمسلمين يتقربون فيه إلى الله بالعبادة وفعل الخير ويتصدقون على الفقراء والمحتاجين.. وقد كان صك الصفح جاهزاً في قلب هذا الأب من فعلة إبنه بمجرد معانقته إياه.. فالأب دائما يحمل الهموم والماسي عن أولاده ويقدم لهم حياة أفضل من التي يعيشها على طبقٍ من ذهب.
الغريب في الأمر أن هذا العاصي يخطب في الناس يوم الجمعة..! حقاً إنها كارثة، ولكنها ليست مفاجأة لمن يقرأ الأخبار الاجتماعية التي تحصل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وحتى السياسية التي من شعارها 'كل شيء مباح في السياسة'، فسحقاً لهذا الولد وتباً لصاحب بدعة، يبصق في وجه أبيه ويبحث له عن مخرج في ديننا الحنيف لعله يجد مبرراً لما قام به.
كم أنا حزينه لما آلت إليه الأمور في وطننا نخطأ في حقوق البشر ونجد مبررات تتماشى مع أهوائنا ومصالحنا التي ليس لها حصر..
منقووووول